في عيد اليوم الدولي للسلام بقلم سعادة الشيخ المحفوظ بن بيه امين العام لمنتدى ابوظبي للسلم

قد يحقٌّ لصناع السلام في يومهم العالمي أن ينشدوا مع المتنبي:
عيدٌ بأية حالٍ عُدتَّ يا عيدُ * بما مضى أم بأمر منك تجديدُ
يعود عيدُ السلام والعالم من حولنا على شفا جرف هار يوشك أن ينزلق إلى أتون حرب عالمية لا تبقي ولا تذر، يعود عيد السلام والفضاء الإنساني مشبعٌ بخطابات الكراهية، وسفك الدماء في ربوع كثيرة مستمر بفعل السفهاء، من تجار الموت.
هل يعني هذا المشهد أن السلام فقد راهنيته، وفاعليّته، ذلك ما يبشر به أعداء الإنسانية ويتمنونه، والحق أنه لم يكن العالم يوما أحوج إلى استثارة قيم السلام منه اليومَ، فالسلام كالصحة نِعَمٌ لا تقدّر حق قدَرها إلا عندما تفقد وتزول.
*
قبل عقد من الزمن، في يوم من أيام ربيع أبوظبي الجميل، اجتمعت نخبة من العلماء والفلاسفة وأرباب الثقافة في دار زايد، دار التسامح والأخوة الإنسانية، اجتمعوا من منطلق الوعي الصادق بالأوضاع المحزنة للعالم الإسلامي من حولهم، فالتكلفة البشرية والعمرانية لما كان يقع من حولهم لم يكن يجوز معها بحال أن يقف أيُّ عاقل متفرجا.
في ذلك اللقاء التأسيسي لمنتدى أبوظبي للسلم، استمع المشاركون لراعي المنتدى، سمو الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، يحثّهم: “إنكم أيها العلماء تحملون أمانة التنوير والتبصير فديننا الإسلامي ما فتئ منذ نزوله وسيظلُّ دينا نورانيا يدعو البشر إلى التبصُّر والتفكُّر والتعايش، ولذلك فإننا نقدر دوركم التاريخي في إخماد نيران الفتنة وتقريب وجهات النظر وإنارة العقول وتأليف القلوب على مبدأ السلم”.
كانت تلك الكلمات التوجيهية في ذلك المحفل التاريخي، تختطّ الطريق لرحلة حضارية جديدة، رحلة منتدى أبوظبي للسلم.
نجاحات كثيرة تحقَّقَتْ، ومجالات عديدة أنجزت، أطلقت المشاريع البحثية للحفر في تراثنا الإسلامي والإنساني لإحياء قيم السلام الضامرة والكشف عن فقه المطمور، مبادرات ميدانية كثيرة للإصلاح والمصالحات رَأَتْ النُّور، مُدَّتْ الأيدي لجميع محبي السلام في الأفق الإنساني الأرحب، من خلال ما أسماه الرئيس العلمي للمنتدى معالي الشيخ عبد الله بن بيه “مقاربة أولي بقية”، التي تقوم على تفعيل التواصل والتكامل بين دوائر الانتماء المتعانقة، دائرة الخصوصية الإسلامية، ودائرة المشترك الإبراهيمي، ودائرة المشترك الإنساني.
عقد مبارك من الزمان، كان كافيا لصياغة براديجم السلام، وإعادة مركزة قيمه، وتأثيث الساحة بمفاهيمه، فالسلام الذي ننشده لم يكن كلمة تلوكها الألسنة، ولا حالة عابرة تسكت فيها البنادق، بل هو ميلاد إنسان جديد، برؤية جديدة للعالم، على أساس قيم السلام، قيم الفضيلة، يعيد بناء ذاته وعلاقاته بجنسه وبالأمم الأخرى من المخلوقات بجنبه.
السلام الذي يسعى إليه المنتدى هو الدعوة إلى إنشاء نموذج تنموي يوفّر الرّفاه والازدهار والاستقرار للجميع، عالم تكون فيه ثمرات العقول مبذولة لفائدة الجميع فلا يستأثر بها القوي أو يحتكرها الغني، عالم تتنافس فيه الأمم في الخير، وفق الرؤية التي عبر عنها صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد حفظه الله بقوله” ستظل سياسة دولة الإمارات داعمة للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم، وعونا للشقيق والصديق، وداعية إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدمها، وسنستمر في نهجنا الراسخ في تعزيز جسور الشراكة والحوار والعلاقات الفاعلة والمتوزانة القائمة على الثقة والمصداقية والاحترام المتبادل ومع دول العالم لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع”.
*
واليوم وبعد مضي عقد من الزمان، يجد مُحبُّو السلام أنفسهم في ظل تحديات السياق الراهن التي تمتحن متانة قيم السلام وصلابة ما شيدوه، من أواصر التّعاون والتضامن.
قناعتنا في منتدى أبوظبي للسلم أنه مهما علت أصوات الكراهية والحرب، وخفتت أصوات السّلام أصوات العقل والدين والقيم، تحت وقع الأحداث المأساوية والصراعات الدموية، فإنه يظلّ متحتما على محبي السلام أن لا يَيْأسوا بعضهم من بعض، ولا يفتروا من الدعوة إلى إحياء جذوة الضمير الإنساني المؤمن بغد أفضل، يسوده السلام والوئام.
قوّة السلام في بَداهَتِهِ، وقوته في كونه المنطلق وكونه المنتهى، فالسلام والسلام آخرا، لا بديل عن السلام إلا الفناء.

  • مقالات ذات صلة

    كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ إلى استعادة دوره العربي- عسيلي: عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة

    عسيلي:  عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ…

    كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ إلى استعادة دوره العربي- عسيلي: عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة

    عسيلي:  عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ…

    منوعات

    كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ إلى استعادة دوره العربي- عسيلي: عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة

    • مايو 5, 2025
    • 5 views
    كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ إلى استعادة دوره العربي- عسيلي: عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة

    كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ إلى استعادة دوره العربي- عسيلي: عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة

    • مايو 5, 2025
    • 4 views
    كلمة باسم الرئيس عون خلال حفلة في الكويت لمركز سرطان الأطفال اللبناني: شعبنا محبّ للسلام وطامح إلى الاستقرار وساعٍ إلى استعادة دوره العربي- عسيلي: عالجنا أكثر من 5100 طفل منذ 2002 ونسبة الشفاء 80 في المئة

    مقولات صباح لطلال ابو غزالة

    • مايو 4, 2025
    • 14 views
    مقولات صباح لطلال ابو غزالة

    تراجع كبير في المكانة الدولية لـ”إسرائيل” ورقة علميّة لمركز الزيتونة تدرس تأثير طوفان الأقصى وتفاعل “إسرائيل” معه على مكانتها الدولية

    • مايو 3, 2025
    • 14 views
    تراجع كبير في المكانة الدولية لـ”إسرائيل” ورقة علميّة لمركز الزيتونة تدرس تأثير طوفان الأقصى وتفاعل “إسرائيل” معه على مكانتها الدولية

    مش عقبال المية” 112 عاما بعد الألف

    • مايو 3, 2025
    • 15 views
    مش عقبال المية” 112 عاما بعد الألف

    لبنان يتألق في مؤتمر القمة العالمية لجوائز الابتكار الرقمي 2025: الابتكار اللبناني “بوديو” يفوز بجائزة الشمول والتمكين

    • مايو 2, 2025
    • 17 views
    لبنان يتألق في مؤتمر القمة العالمية لجوائز الابتكار الرقمي 2025: الابتكار اللبناني “بوديو” يفوز بجائزة الشمول والتمكين