
“افعل أقل … لتنجز أكثر ” قراءة في كتاب “الشيء الوحيد” – غاري كيلر
بقلم د : خالد السلامي
هل سبق لك أن أنهيت يومك بإحساس أنك كنت مشغولًا منذ الصباح، ومع ذلك لم تُنجز شيئًا فعليًا؟ أن تنظر إلى قائمة مهامك، وتجد أنك تحركت كثيرًا… لكن لم تتقدّم؟ هذا الإحساس منتشر، مألوف، لكنه مرهق. والسبب غالبًا ليس في قلة الجهد، بل في كثرة الاتجاهات.
في كتابه “الشيء الوحيد”، يطرح غاري كيلر سؤالًا بسيطًا، لكن جوابه يغير قواعد اللعبة:
ما هو الشيء الوحيد الذي، إن فعلته، سيجعل كل شيء آخر أسهل أو غير ضروري؟
بهذا السؤال يبدأ كيلر رحلة التخلّص من التشتت، والانشغال الزائف، والعمل المبعثر. يوضح كيف أن التركيز على “الشيء الوحيد” في كل جانب من جوانب حياتك، ليس فقط يرفع إنتاجيتك، بل يحررك من الضغط، ويساعدك تخلق إنجاز حقيقي له وزن وتأثير.
هذا ليس كتابًا عن إنجاز كثير، بل عن إنجاز المهم. ليس عن أن تعمل أكثر، بل أن تعمل أقل… لكن في الاتجاه الصحيح. هذا المقال يأخذك في جولة داخل أفكار كيلر، كيف يكسر فكرة تعدد المهام، ويعيد ترتيب حياتك حول محور واحد واضح، بسيط، لكنه جوهري.
جاهز تترك الضجيج؟ وتسمع صوت الشيء اللي فعلًا يستحق وقتك؟ لنبدأ.
غاري كيلر: حين يتحوّل التركيز إلى استراتيجية
قبل أن يكتب كتابه الشهير، كان غاري كيلر رجل أعمال ناجحًا في مجال العقارات، أسس واحدة من أكبر الشركات العقارية في أمريكا. لكنه وسط هذا النجاح، اكتشف حقيقة مفاجئة: كلما حاول أن يفعل أكثر، أنجز أقل.
ضغط المواعيد، الاجتماعات، والمهام المتراكمة جعلته مشغولًا بشكل دائم، لكن النتائج لم تكن على مستوى الجهد المبذول. ومن هنا بدأ يسأل نفسه:
“هل هناك طريقة للتركيز أفضل؟ هل كل ما أفعله ضروري فعلًا؟ أم أن بعضه مجرد استنزاف للطاقة؟”
هذه الأسئلة كانت بداية كتاب “الشيء الوحيد”. كتاب لا يُشبه كتب الإدارة المعقدة، ولا يقدّم وصفات جاهزة. بل يقدّم فكرة واحدة فقط، لكنها قوية بما يكفي لتغيّر طريقة تفكيرك بالكامل.
الكتاب مبني على مبدأ بسيط جدًا: لا تُحاول أن تفعل كل شيء، بل ركّز على أهم شيء فقط. كل فصل يدور حول فكرة أن الإنتاج الحقيقي لا يأتي من تعدد المهام، بل من التكرار المركّز، والمضيّ في اتجاه واضح بلا تشتت.
بعيدًا عن التنظير، يقدّم كيلر أدوات عملية، وأسئلة محددة تساعد القارئ على تحديد الأولويات، وترتيب حياته، ليس فقط في العمل، بل حتى في الصحة، العلاقات، والأهداف الشخصية.
“الشيء الوحيد” ليس كتابًا تقرأه مرة وتنتهي، بل أداة تعود لها كلما شعرت أن يومك مزدحم بلا إنجاز، وكلما فقدت الوضوح. هو دعوة للعودة إلى الأساس… والتخلص من الفوضى.
فكّر أقل… قرّر بدقة: جوهر أفكار “الشيء الوحيد”
كتاب “الشيء الوحيد” يبدو بسيطًا، لكن تحت هذا العنوان الهادئ توجد منظومة تفكير تهدم المفاهيم المعتادة حول النجاح، وتبني مكانها عقلية جديدة: التركيز بلا رحمة. غاري كيلر لا يقدم نصائح مبعثرة، بل يدور حول فكرة مركزية: كل إنجاز عظيم بدأ بتركيز على شيء واحد، ثم تبِعتْه الأشياء الأخرى كقطع دومينو.
تعدد المهام = وهم الإنتاجية
الفكرة الأولى التي يهاجمها كيلر هي ما يسمّى بـ”تعدد المهام”. نحن نحب أن نبدو مشغولين: نرد على بريد إلكتروني أثناء المكالمة، نكتب ملاحظات ونحن نحضر اجتماعًا، ننتقل من مهمة لأخرى كل خمس دقائق. لكن كيلر يقول:
كل مرة تغيّر تركيزك، تخسر طاقة، وقت، وفعالية.
الدماغ لا يعمل في مسارات متوازية، بل يقفز ذهابًا وإيابًا، وفي كل قفزة، شيء يُهدر.
اسأل نفسك: ما هو الشيء الوحيد؟
السؤال المحوري في الكتاب ليس شعارًا، بل أداة. كلما واجهت مهمة، أو هدف، أو حتى يوم عادي، اسأل:
ما هو الشيء الوحيد الذي، إن فعلته الآن، سيجعل كل شيء آخر أسهل أو غير ضروري؟
هذه الجملة تحمل مفاجأة: ما تفعله اليوم ليس مجرد مهمة، بل بوابة لما بعدها. إذا اخترت المهمة الصح، الباقي يسقط تلقائيًا.
تأثير الدومينو: إنجاز صغير يقود إلى إنجاز أكبر
تخيل صفًا من أحجار الدومينو، كل واحدة تُسقط التالية. كيلر يستعمل هذا المثال ليشرح كيف أن التركيز على مهمة واحدة، بحجم صغير، يمكن أن يقودك نحو تغييرات أكبر مما تتخيل.
ابدأ بشيء صغير، لكن ركّز عليه بشراسة.
النتائج لا تأتي دفعة واحدة، بل تتراكم بثبات.
النجاح يحتاج تنظيم لا إرادة
غالبًا نظن أن النجاح يعتمد على قوة الإرادة. كيلر يقول العكس:
لا تعتمد على نفسك في كل لحظة، بل صمّم بيئة تدعم تركيزك.
جدولك، مكان عملك، الأشخاص من حولك… كل شيء يجب أن يخدم الشيء الوحيد. الإرادة وحدها تنفد. النظام يبقى.
اللازم ترفض أشياء… مش توافق على كل شيء
عشان تقول “نعم” لشيء مهم، لازم تقول “لا” لعشرات الأشياء. التشتت يبدأ بالقبول بكل شيء جيد، لكنه يُبعدك عن الشيء الممتاز.
التركيز الحقيقي مؤلم، لأنه يجبرك تترك ما تحب، لأجل ما تحتاج.
كل هذه الأفكار تقودك لنقطة واحدة:
النجاح مو بكثرة اللي تسويه، بل باختيارك الجيد لما يجب أن تسويه.
من الفكرة إلى الفعل: تطبيق “الشيء الوحيد” في حياتك اليومية
فهم الأفكار جميل… لكن التحوّل يبدأ عند التطبيق. كتاب “الشيء الوحيد” لا يُقرأ لمجرد الإلهام، بل يُستخدم كخريطة. غاري كيلر لا يقدّم فلسفة، بل نظام يومي لتعيد به ترتيب حياتك، وتوجه طاقتك نحو ما يهم فعلاً. وهنا بعض الطرق العملية لتطبيق الكتاب في حياتك، خطوة بخطوة.
ابدأ كل يوم بسؤال واحد
قبل أن تفتح بريدك، أو تطالع هاتفك، اجلس لحظة واسأل نفسك:
ما هو الشيء الوحيد الذي إذا أنجزته اليوم، سيجعل كل ما بعده أسهل أو غير ضروري؟
اكتب الإجابة. لا تكتب عشرين مهمة. فقط واحدة. ثم رتّب يومك حولها.
احجز وقتًا مقدّسًا للتركيز
كلنا عندنا لحظات صفاء – ساعات نشعر فيها أننا نقدر ننجز بتركيز عميق. كيلر يسميها “الوقت المحمي”.
* احجز ساعتين كل صباح (أو وقتك الذهبي).
* اغلق الإشعارات، تجاهل المكالمات، وانقطع عن المقاطعات.
* استثمر هذا الوقت في الشيء الأهم… فقط.
قل “لا” بصوت واضح
واحدة من أقوى التمارين: تعلم أن تقول “لا” لكل شيء لا يخدم الشيء الوحيد.
* مشاريع جانبية؟ لا.
* مهام لا تهم؟ لا.
* اجتماعات بلا هدف؟ لا.
ليس لأنك سلبي… بل لأنك تركّز.
حوّل العادات إلى روتين يومي
غاري كيلر يقول إنك لا تحتاج لطاقة خارقة. فقط انضباط صغير، مستمر.
* حدد “الشيء الوحيد” أسبوعيًا ويوميًا.
* استخدم دفتر صغير أو تطبيق بسيط.
* تابع التقدم أسبوعًا بعد أسبوع.
ابنِ بيئتك حول تركيزك
إذا كان بيتك أو مكتبك أو حتى علاقاتك تُشتّتك، فلن تستطيع الاستمرار. لذلك:
* اختر مكانًا تُنجز فيه بدون فوضى.
* قلّل عدد الأشخاص اللي يسحبونك بعيد عن هدفك.
* رتّب أدواتك لتخدم إنجازك، مش تملأ وقتك.
قسّم هدفك الكبير إلى دومينو صغيرة
عندك مشروع ضخم؟ لا تواجهه دفعة واحدة. بل اسأل:
“ما هو أول دومينو صغير يمكنني إسقاطه اليوم؟”
ابدأ بذلك فقط. بعده يأتي التالي، بدون ضغط.
والأهم: سامح نفسك إذا ضعفت… وارجع
التركيز مهارة، والانضباط يتذبذب. عادي تتشتت، تنسى، تفشل. كيلر نفسه يقول:
“النجاح لا يعني عدم الانقطاع، بل العودة بسرعة.”
لماذا “الشيء الوحيد” يعمل فعلًا؟ نقاط قوة لا يمكن تجاهلها
مش كل كتاب تطوير ذاتي يترك أثر. كثير منها يحمّسك لحظة، وينطفئ بعد يومين. لكن “الشيء الوحيد” مختلف. السبب؟ إنه كتاب يعرف ما يريد أن يقوله، ويكرّره حتى يلتصق فيك. غاري كيلر لا يحاول إبهارك، بل يزرع فيك عادة جديدة. وهذه أبرز نقاط القوة اللي خلّت الكتاب يعلّق في عقول الناس ويدخل جداولهم:
مركّز مثل فكرته
الكتاب نفسه يُطبّق فكرته: كل فصل، كل جملة، كل مثال يخدم “الشيء الواحد”. ما في حشو، ما في تفرّع بلا معنى. تشعر كأن الكاتب يقول: “أنا لن أشتتك… سأدرّبك على العكس تمامًا.”
سهل تقراه… وسهل تطبّقه
بعض الكتب تحتاج ترجمة داخل رأسك. هذا لا. اللغة بسيطة، الأمثلة حقيقية، الفكرة واضحة. ما تحتاج تفلسف عشان تفهم، بس تحتاج شجاعة عشان تبدأ. ما في تمارين معقدة ولا جداول صارمة. فقط سؤال واحد يتكرر، يعلّمك كيف تعيش مركزًا.
يمشي مع أي شخص… في أي مرحلة
طالب، موظف، مستقل، صاحب مشروع، حتى ربة منزل… الكل يقدر يطبق الفكرة. لأن كل شخص عنده “شيء واحد” مختلف، والكتاب لا يفرض عليك نوعه، بس يعلمك كيف توصله وتشتغل عليه.
يناسب عصر التشتت الرقمي
إحنا نعيش وسط إشعارات، مهام، اجتماعات، طلبات… وكل شيء يصرخ “أنا مهم”. كيلر يعطيك أداة مقاومة: “لا تسمح للأشياء العاجلة أن تسرق وقت الأشياء المهمة.” في زمن كثرة الخيارات، يعطيك دليلًا للوضوح.
يجمع بين الفلسفة والتكتيك
ما هو كتاب تنظير بس، ولا هو قائمة تعليمات جافة. يجعلك تفكر، ثم تتحرك. يفهم مشاعرك، ثم يقدّم لك خطة. يحمّسك، بس يعلّمك كمان كيف تحافظ على الحماس.
يقنعك دون صراخ
الكتاب لا يُجبرك. لا يُشعرك بالذنب. بل يُقنعك بهدوء أن العيش بطريقة أقل… قد يكون الطريقة الوحيدة للعيش بتركيز حقيقي. ما في وعود سحرية، بس في تغيير جذري يبدأ بخطوة واحدة فقط.
النهاية؟
“الشيء الوحيد” ما يحتاج أن يكون أعظم كتاب كتب في التاريخ… هو فقط يحتاج أن يكون الدفعة اللي تغيّر طريقة يومك. وهذا وحده كفيل بأنه يبقى معك أكثر من كتب كثيرة أكبر حجمًا.
هناك دائمًا شيء واحد… غيّره، وسيتغيّر كل شيء
في قلب الفوضى، في زحمة المهام، في ضوضاء “يجب أن أفعل”، هناك سؤال صغير، هادئ، لكن قوي جدًا…
ما هو الشيء الوحيد الذي، إن فعلته الآن، سيجعل كل شيء آخر أسهل… أو غير ضروري؟
هذا ليس مجرد تمرين ذهني، بل أسلوب حياة. “الشيء الوحيد” ليس كتابًا لتنجز أكثر، بل لتنجز بوعي. لتكفّ عن الركض في كل اتجاه، وتبدأ المشي بثبات في اتجاه واحد.
النجاح، كما يراه غاري كيلر، لا يبدأ في جدول مزدحم، ولا في مهارات خارقة، بل يبدأ في قرار بسيط: أن تعرف ما يهم، وتركّز عليه بلا تشتت.
هل هذا سهل؟ أبدًا. لأن قول “لا” أصعب من قول “نعم”. لأن التركيز يحتاج شجاعة، أكثر من الجهد. لأن مقاومة الملهيات اليوم، أشبه بمواجهة إعصار.
لكن النتيجة؟ واضحة. راحة ذهنية. أثر فعلي. حياة أخف… لكن أعمق.
ابدأ اليوم. لا تخطط للأسبوع كامل. فقط اختر شيء واحد مهم… وافعله.
ثم غدًا؟ شيء واحد جديد.
وهكذا، دومينو صغيرة… تُسقط جبالًا.
ما هو الشيء الوحيد الذي تحتاجه الآن؟
ربما هذا السؤال وحده… هو البداية.
المستشار الدكتور خالد السلامي رئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي وممثل رسمي للمركز في دولة الإمارات العربية المتحدة كما. حصل على “جائزة أفضل شخصيه تأثيرا في الوطن العربي ومجتمعية داعمه ” لعام 2024
حصل المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم .
وحاصل أيضًا! على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي لعام 2023 ؛ ويعد” السلامي “عضو اتحاد الوطن العربي الدولي وعضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي .والممثل الرسمي للمركز في دولة الإمارات العربية المتحدة
كما حاصل على “جائزة أفضل شخصيه مجتمعية داعمه “وذلك لعام 2024 وعضو في المنظمه الامريكيه للعلوم والأبحاث.
ويذكر أن ” المستشار خالد “هو رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021.