قراءة في كتاب “الحرب” لبوب وودوارد

قراءة في كتاب “الحرب” لبوب وودوارد

إعداد: د. حسام ممدوح خيرو
(خاص بمركز الزيتونة)

ربما لم يحدث كتاب ضجة كالتي أحدثها الكتاب الذي بين أيدينا، والسبب يعود حسب تصوري لأمرين:

أولهما أنه يأتي تزامناً مع قرب الانتخابات الأمريكية (وقت طرح الكتاب في الأسواق).

وثانيهما أنه تكلم -وإن بشيء يسير- عن خلفيات الحرب على قطاع غزة، لا سيّما تصريحات الرؤساء والزعماء العرب لوزير الخارجية الأمريكي والرئيس جو بايدن عن حركة حماس وموقفهم منها.

وعند العودة لصاحب الكتاب (بوب وودوارد) فإنه عرف ضمن الوسط الصحفي والسياسي منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان له بصمة في عالمي الصحافة والسياسية عندما أسهم في كشف القضية الأشهر في الولايات المتحدة الأمريكية والتي سميّت “فضيحة ووترغيت” عبر كتاب (كل رجال الرئيس) والذي كتبه بالتعاون مع زميله كارل برنستين.

واليوم يضع الكاتب كتاباً جديداً يكشف فيه ما يجري خلف الأبواب المغلقة في البيت الأبيض، وتحديداً خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن (2020-2024)، والتي شهدت أحداثاً كبيرة على المستوى الأمريكي المحلي والمستوى العالمي، إذ شهدت الولايات المتحدة الأمريكية أحداثاً مهمة في مقدمتها اقتحام مبنى الكابيتول من قبل المؤيدين للرئيس ترامب والرافضين لنتائج الانتخابات الأمريكية بعد تحريضهم من قبل دونالد ترامب، وكانت حادثة عظيمة التأثير على الداخل الأمريكي، الأمر الذي أنذر بحدوث انقسام مخيف، وأشّر لوجود تيار غير منضبط داخل الولايات المتحدة وغير متوقع من حيث ردود أفعاله.

على المستوى الخارجي كانت الحرب الروسية على أوكرانيا سنة 2022، والتي ما زالت تدور رحاها منذ ذلك الوقت، ووصلت في لحظات معينة لمرحلة كادت أن تشهد مواجهة نووية بين روسيا والولايات المتحدة. هذا أولاً.

أما ثانياً، فكانت معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر سنة 2023، وما تبعها من ردّ للكيان الصهيوني على هذه العملية، التي نجحت فيها كتاب عزّ الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في اقتحام المستوطنات المحيطة بقطاع غزة.

وإذا ما أردنا تلخيص أهم ما جاء في الكتاب، فإنه يمكننا القول أن الكتاب كان يتكلم عن ما وراء كواليس عملية صنع القرار الأمريكي إبان الرئيس السابق جو بايدن، هذه العملية التي واجهت أربعة تحديات كبيرة ومهمة، منها المتعلق بالشأن الدولي، ومنها المتعلق بالشأن الأمريكي الداخلي، لا سيّما وضع الرئيس بايدن الصحي وقدرته على الترشّح لولاية جديدة عن الحزب الديموقراطي الأمريكي.

فخلال الأربع سنوات الماضية عاشت الولايات المتحدة لحظات حاسمة، كانت البداية فيها من أفغانستان يوم أن قرّر الرئيس الأمريكي تنفيذ قرار سحب القوات الأمريكية من هذا البلد المحتل منذ سنة 2001، ويبيّن الكاتب أن البيت الأبيض لم يظهر أيّ ندم على عملية الانسحاب الأمريكي من هناك، على الرغم من الصورة التي أظهرت هذه العملية بأنها من أسوأ عمليات الانسحاب التي من الممكن أن يقوم بها جيش أيّ دولة محتلة من دولة أخرى. وجميعنا يذكر تلك اللحظة التي طارت فيها الطائرات الأمريكية من العاصمة الأفغانية كابول فيما كان عشرات العاملين مع الجيش الأمريكي من الشعب الأفغاني يحاولون جاهدين الالتحاق بتلك الطائرات ولو بإطاراتها أو بأجنحتها هرباً من قوات طالبان.

لقاءات الرئيس الأمريكي، والتي نقلها الكاتب، تكشف عن تماثل موقفه في الاجتماعات المغلقة مع موقفه المعلن في أهمية الانسحاب من أفغانستان، على الرغم من كل التحذيرات التي حاول وزير دفاعه لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي تقديمها للرئيس.

هذا الموقف يبرّره بايدن بأن استمرار الحرب في أفغانستان يبدو وكأنه بلا نهاية، فالرئيس يرى بأن أهداف الحرب قد انحرفت من مطاردة القاعدة وبن لادن إلى “بناء الأمة”، بالتالي لم يعد من الواضح ما هي مهمة القوات الأمريكية في أفغانستان.

في خطابه للشعب الأمريكي، والذي ألقاه من القاعة ذاتها التي ألقى فيها جورج بوش الابن خطابه بغزو أفغانستان سنة 2001، قال بايدن “أنا الآن رابع رئيس للولايات المتحدة يتولى مسؤولية وجود القوات الأمريكية في أفغانستان، إثنان جمهوريان واثنان ديموقراطيان، ولن أترك هذه المهمة للرئيس الخامس”.

وعلى الرغم من أن بايدن حاول أن يظهر نجاح الولايات المتحدة في مهمتها إلاّ أن قرار الانسحاب وآلية تنفيذه كانت من أكثر الأمور التي أثارت الانتقاد لإدارة بايدن لا سيّما بعد أن عادت طالبان لتسيطر على الموقف من جديد في أفغانستان كما كان عليه الأمر قبل الغزو الأمريكي.

التحدي الثاني كان بحسب رواية الكتاب يكمن في أوكرانيا وتحضيرات الغزو الروسي لهذا البلد، فالكاتب يشير إلى لقاءات عدة جرت داخل البيت الأبيض وخارجه لدائرة صنع القرار الأمريكي حول هذا الغزو، بدءاً بالمرحلة التي سبقته والتي كانت الإدارة الأمريكية تراقبها بحذر شديد بعد حصولها على معلومات استخباراتية تفيد بتحشيد الجيش الروسي لقواته على الحدود الأوكرانية.

الكاتب يبيّن في روايته أن إدارة بايدن كانت حريصة بشكل كبير على تفادي التحرك العسكري الروسي، إذ كانت خطة الرئيس بايدن—كما بينها لدائرة صنع القرار الأمريكي—تفيد بأنها ستعتمد العمل الحثيث للحيلولة دون وقوع الغزو الروسي على أوكرانيا وفي الوقت ذاته تعمل على التحضير له.

لذلك، فبعد امتلاك الولايات المتحدة للمعلومات عن التحشيد العسكري الروسي، وافقت الإدارة الأمريكية على تزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية تصل قيمتها إلى 60 مليون دولار، يأتي في مقدمتها صواريخ “جافلين” المضادة للدروع.

كانت الإدارة الأمريكية تتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنوع من عدم الثقة، إذ إنها كانت—بحسب الكتاب—تتواصل معه لإبلاغه رسائل قلقها من عمل عسكري روسي ضدّ أوكرانيا، مدركةً أن هذ العمل وشيك بالرغم من نفي الرئيس الروسي لذلك.

لذلك عمدت الاستخبارات الأمريكية إلى خطة تقضي بمشاركة المعلومات الاستخباراتية للتحرّك العسكري الروسي مع الإعلام الأمريكي، لتنشر صحيفة الواشنطن بوست تقريراً صحفياً تصدّر صفحاتها في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر 2021 بعنوان “روسيا تخطّط لشن هجوم عسكري واسع ضد أوكرانيا”.

هذا التقرير عرض صوراً للأقمار الصناعية تظهر التحشيد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية بدلاً من صور الأقمار الصناعية الحكومية التي تحمل طابع السرية، مما دفع الحكومة الروسية لتعلن ومن أعلى مستوياتها رفضها للتقرير منكرين أيّ نية لهم للهجوم على أوكرانيا.
لقاءات بايدن وتواصله مع بوتين استمرت قبيل الغزو الروسي، سعى فيها الرئيس الأمريكي لثني الرئيس الروسي عن العمل العسكري ضدّ أوكرانيا، لكن الطرفان لم يتوصلا إلى توافق بخصوص هذه المطالبات.

الرئيس الروسي كان يطالب حلف الناتو بإيقاف سياسة الباب المفتوح ويبدي قلقاً من وجود قوات قتالية تابعة للحلف في أوكرانيا، طبعاً الرئيس الأمريكي بايدن كان يرى أن ما يعترض عليه بوتين لا وجود له وبالإمكان التفاوض حوله.

الموقف الأمريكي المتهّيء للعمل العسكري كان يقابله – بشكل عجيب – موقف طبيعي واعتيادي من قبل أوكرانيا التي كانت تعتقد أن روسيا لن تقدم على عمل عسكري ضدها وحتى مرحلة قريبة من الغزو.

انتهى مشهد الترقب بإعلان الرئيس الروسي في الرابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير قراره في القيام بعمل عسكري ضدّ أوكرانيا، فيما أوصل رسالة لمن يحاول مساندة أوكرانيا بأنه “من يحاول أن يهدّد روسيا فإن الرد سيكون فورياً”، مضيفاً أن “روسيا تبقى واحدة من أقوى الدول النووية”.

المشهد كان في البيت الأبيض يشير إلى توقع بقرب الإنهيار الأوكراني، لكن المفاجأة كانت أن أوكرانيا قررت المواجهة وأن الرئيس فلاديمير زيلنسكي قرّر البقاء في بلده لمواجهة الغزو الروسي.

يكشف الكتاب أن الولايات المتحدة، وبعد وقوع الغزو الروسي، تفاجأت من ردة الفعل الأوروبية التي اعتقدت أنها ستكون أقل حدة، فيما وجدت في الصمود الأوكراني تدميراً لسمعة الجيش الروسي الذي تصنّفه كثاني قوة قتالية في العالم.

عموماً، نجحت الولايات المتحدة في تنظيم عقوبات اقتصادية مهمة وخطيرة ضدّ روسيا بالتعاون مع أوروبا، كما أنها بدأت بالتحرّك لبقية الدول المجاورة لأوكرانيا لإقناعها بأهمية الانضمام لحلف الناتو، وفي مقدمتها السويد وفنلندا، اللتين أضحتا بالفعل جزء من حلف الناتو خلال سنة 2023.

الولايات المتحدة لم تقف عند هذا الحد، بل مضت باتجاه تزويد الجانب الأوكراني بالسلاح لتمكينه من مواجهة المد العسكري الروسي سواء أكانت تلك الأسلحة أمريكية أم أوروبية، كدبابة أبرامز التي تعد من أكثر الدبابات في العالم قدرة، لكن الكتاب يكشف أن التعقيد التقني للأسلحة الأمريكية جعل من مهمة تزويدها لأوكرانيا مهمة غير سهلة، كونها بحاجة للتدريب عليها لوقت مناسب، وهذا لا يتلاءم وطبيعة المرحلة التي تعيشها أوكرانيا.

شكلت المعلومات التي حصلت عليها الاستخبارات الأمريكية والمتعلقة باحتمالية استخدام روسيا لسلاح نووي تكتيكي في حربها على أوكرانيا منعطفاً مهماً وخطيراً في مجريات المعركة، لا سيّما وأن الوضع العسكري للقوات الروسية والذي يعاني من خسائر كبيرة وعدم قدرة على تحقيق الأهداف التي وضعتها روسيا لنفسها في المعركة يتوافق مع العقيدة النووية الروسية والتي تبيح لروسيا “استخدام السلاح النووي في حال تعرض القوات الروسية لخسارة كارثية في المعركة” وهذا ما كان عليه الوضع.

التحدي الأكبر في هذه المرحلة كان أن الجانب الروسي لم ينفِ أبداً تلك المعلومات، بل إن وزير الدفاع الروسي عند سؤاله من قبل نظيره الأمريكي عن حقيقة تلك المعلومات أرجعه لقراءة العقيدة النووية الروسية وبرقم الصفحة التي تحدّد الحالة التي تبيح روسيا لنفسها استخدام السلاح النووي.

هنا كان على الولايات المتحدة التحرّك ضمن أكثر من خط لثني الجانب الروسي عن خططه، فكانت هناك اتصالات مستمرة بين وزراء دفاع البلدين، كما أن الاستخبارات الأمريكية سرّبت المعلومة لوسائل الإعلام لكشف المخطط الروسي—بحسب الإدارة الأمريكية. كما أن الرئيس بايدن تمكّن من الحصول على موافقة الرئيس الصيني شي جين بينغ للتواصل مع بوتين وثنيه عن أيّ عمل عسكري نووي في أوكرانيا.

وفي خضم التحرّك الأمريكي، تسرّبت معلومات عبر وسائل إعلام روسية وعبر تطبيق تلغرام أن هناك معلومات عن خطة أوكرانية لاستخدام قنبلة “قذرة” ضدّ القوات الروسية. الجانب الأمريكي كان يدرك أن هذه المعلومات ما هي إلاّ ذريعة يحاول الروس استخدامها لتبرير عملهم العسكري النووي ضدّ أوكرانيا، ما دفع وزير الدفاع الأمريكي للتواصل مع نظيره الروسي مبيّناً له معرفة الجانب الأمريكي بالنوايا الروسية ومحذراً إياه من هذا الفعل.

سرّبت الخطة الروسية إلى الإعلام عبر الاستخبارات الأمريكية ما أفشلها، كما أن التحرّك الأوكراني العسكري ضدّ القوات الروسية ظلّ حذراً لتخفيف حدة الموقف العسكري للقوات الروسية وأسهم في ثني الجانب الروسي عن اتجاهه نحو العمل العسكري النووي.

يكشف الكاتب كذلك تحركات الإدارة الأمريكية لتأمين الموقف العسكري الأوكراني طيلة مدة ولاية الرئيس بايدن، وذلك عبر التواصل مع الحلفاء، ومن ذلك التحرّك نحو كوريا الجنوبية لتوفير طلقات عيار “155 ملم”.

غزة كانت تحدياً خطيراً على مستوى التحديات السياسية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، لا سيّما بعد أن تمكن الذراع العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسام) من عبور الحاجز الفاصل بينها وبين المستوطنات الصهيونية يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2023، وكان للعملية العسكرية الفلسطينية وقعاً كبيراً على مستوى الكيان الصهيوني والعالم.

الكاتب يكشف عن تنسيق وتواصل عالي بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، إذ يبيّن الكاتب أن أول الدول التي تواصلت معها الحكومة الإسرائيلية كانت الولايات المتحدة الأمريكية والتي أظهرت الدعم غير المسبوق لـ”إسرائيل”.

شكّلت العملية العسكرية لحركة حماس فشلاً استخباراتياً كبيراً لـ”إسرائيل” حسب وجهة النظر الأمريكية، إذ حطّم العمل العسكري أسطورة الردع التي كان الجيش الإسرائيلي يتمتع بها في المنطقة.

طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أول اتصال مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن يوجه رسائل تحذيرية لحزب الله لمنعه من الانخراط في المعركة.

بالمقابل كان للولايات المتحدة الأمريكية تحركاً على مستوى الدول المجاورة والقريبة من فلسطين، وكان مسعى إدارة بايدن الحصول على إدانة عربية للعمل العسكري الفلسطيني، مع عمل حثيث لإطلاق سراح الرهائن الذين اقتادتهم المجاميع المسلحة التابعة لحركة حماس إلى داخل غزة خلال عمليتها العسكرية.

أبواب الكتاب التي تناولت هذا الموقف الدولي المهم كانت هي السبب الحقيقي لإثارة الجلبة والاهتمام حول “كتاب الحرب” الذي بين أيدينا، إذ كشف الكتاب عن خفايا اللقاءات التي جمعت بايدن بالزعماء العرب والذين أعربوا عن مواقف سياسية مغايرة لما تُعلن.

ففي قطر، أبدت القيادة القطرية رفضها للعملية العسكرية الفلسطينية وحاولت الإدارة الأمريكية توظيف العلاقات القطرية مع حماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.

في الأردن، أخبر الملك عبد الله الثاني وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بصراحة “يجب هزيمة حماس” لكنه استطرد “لا نستطيع أن نقول ذلك علناً لكننا ندعم هزيمة حماس ويجب على إسرائيل أن تهزم حماس”.

في الإمارات، كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يذهب باتجاه الملك عبد الله ذاته من حيث النظرة لحركة حماس من زاوية كونها كيان يجب القضاء عليه، إذ إنه أخبر وزير الخارجية الأمريكي بأنه “يجب القضاء على حماس. يمكننا أن نعطي لإسرائيل المجال لتدمير حماس”، لكن “على إسرائيل أن تعطينا المساحة. اتركوا المساعدات الإنسانية تدخل”.

هذه المواقف توافقت مع رؤية المملكة العربية السعودية، فولي العهد السعودي محمد بن سلمان أخبر وزير الدفاع الأمريكي أنتوني بلينكن أنه يريد “فقط أن تختفي المشاكل التي أوجدها السابع من أكتوبر”.

فمحمد بن سلمان ركّز على رغبته في المضي قدماً في رؤيته (2030) التي لن تتم طالما استمرت الحرب على غزة، “أود العودة إلى تلك الرؤية لكن غزة يجب أن تهداً. التطبيع لم يمت. لا يمكننا بالطبع السعي إليه الآن”. هذا ما أخبر محمد بن سلمان به بلينكن.

في مصر كانت الأمور أسهل بكثير أمام الوفد الأمريكي، إذ تطوّع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل آنذاك لتقديم تقييمات حول طبيعة الأنفاق التي يستخدمها مقاتلو حركة حماس، “حماس متجذّرة للغاية وأن القضاء عليهم سيكون صعباً للغاية”، هكذا قال كامل. وتابع “يجب ألا تدخل إسرائيل مرة واحدة. انتظروا حتى يظهروا ثم اقطعوا الرؤوس”.

طبعاً يظهر الكاتب جهوداً حثيثة من قبل الإدارة الأمريكية لإقناع الجانب الإسرائيلي بتخفيف وطأة القصف على غزة وتجنّب قصف المدنيين، لكن هذه المطالبات كانت تواجه بحالة من عدم الاهتمام من قبل الجانب الإسرائيلي.

وفي الحقيقة، فإن ما يظهره الكتاب—إن صح طبعاً—يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على إرغام الجانب الإسرائيلي على اتخاذ أيّ خطوة ضمن ملف غزة بالرغم من كونها المموّل رقم واحد لها خلال هذه المواجهة. فعلى الرغم من مطالبات الإدارة الأمريكية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بضرورة السماح بإدخال المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة كان نتنياهو يجيب “لا قطرة ولا أوقية من أيّ شيء ستذهب إلى غزة لمساعدة الناس”.

الكتاب يكشف عن علاقة متوترة بين بايدن ونتنياهو، فالرئيس الأمريكي لم يكن راضياً عن طريقة إدارة نتنياهو للمعركة، حتى أنه كان يصفه في الغرف المغلقة بـ”الوغد”، وعلى الرغم من ذلك استمر دعم البيت الأبيض لـ”إسرائيل” في حربها على غزة، وتوّج ذلك بزيارة بايدن إلى تل أبيب وخطابه هناك، والذي أظهر وقوف الولايات المتحدة في صف “إسرائيل” في حربها على القطاع.

يظهر الكتاب جانباً مخفياً عن دور الحكومة المصرية في الحرب، والتي كانت تتعنّت كثيراً وتتردد في فتح حدودها أمام شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة بسبب خشية الرئيس المصري من تدفّق اللاجئين الفلسطينيين إلى مصر خشية “دخول مسلحين ضمن أفواج اللاجئين”.

في لقاء وزير الخارجية الأمريكي بلينكن مع وزراء الخارجية العرب، أبدى وزراء الخارجية تأييدهم لإنهاء حماس، لكنهم طالبوا بطريق لتسوية الموقف في غزة سلمياً لما بعد الحرب، وذلك بترتيب الأمور لإعلان دولة فلسطينية تتولى إدارة قطاع غزة لما بعد الحرب.

هذا المسار رآه بلينكن مناسباً للغاية، لكنه كان مدركاً أن نتنياهو، الذي يعد من أشد معارضي قيام دولة فلسطينية، لن يقبل بسهولة بمثل هذا المقترح. وزراء الخارجية العرب أبلغوا بلينكن أن حماس فكرة ولا يمكن القضاء على الفكرة. وزير الدفاع الأمريكي أشار إلى أن لقاء جمعه مع عضو مجلس الحرب الإسرائيلي رون ديرمر أبدى فيه الأخير رفضه للدولة الفلسطينية قائلاً وبتهكم “يجب أن تكون لدينا دولة فلسطينية؟ حقاً؟ إذاً نحوّل السابع من أكتوبر إلى يوم استقلال فلسطيني؟ سوف تكافئون الإرهاب بمنحهم دولة؟”.

المسار السلمي في المنطقة، والذي سعت الإدارة الأمريكية—بحسب الكتاب—لإعادة ضخّ الدماء فيه، كان يقابل دائماً ببرود إسرائيلي ومحاولة لتسويف الأمر. ولي العهد السعودي أبدى استعداده لإعادة مسار التطبيع مع “إسرائيل” لكنه ربط ذلك بإعلان دولة فلسطينية، كان محمد بن سلمان حريصاً على رؤيته للمملكة وخائفاً من تأثير ما يحصل في غزة عليها كما تكشف لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين، وأكد بن سلمان لضيفه بلينكن أن “العديد من أبناء المملكة لم يسمعوا بفلسطين قبل أحداث السابع من أكتوبر”. بالتالي فهو لا يريد لهذا الملف أن يعطّل رؤية المملكة.

يكشف الكتاب الذي بين أيدينا أيضاً جهود الأردن والمملكة العربية السعودية في مساعدة الولايات المتحدة على حماية “إسرائيل” لا سيّما بعد الهجوم الإيراني الذي استهدفها بعشرات الصواريخ.

إيران كانت قد أخطرت الجانب الأمريكي، وعبر وسيط سويسري، أنها لن تقدم على عمل يستهدف الولايات المتحدة أو قواعدها قبل تنفيذها للهجوم ضدّ “إسرائيل”. “كانت الأضرار صغيرة بشكل لا يصدق”، هكذا وصف الجانب الأمريكي الهجوم الإيراني على “إسرائيل”، والذي نجحت فيه الولايات المتحدة بالتعاون مع الأردن والسعودية في أسقاط أكثر من 300 صاروخ وطائرة إيراني.

لكن التحدي الأكبر كان بالنسبة للأمريكان هو أن “إسرائيل” ستعمد للرد على هذا الهجوم مما سيفاقم الوضع في المنطقة.

على مستوى الداخل الأمريكي، كان أمام إدارة بايدن—وتحديداً شخص الرئيس—تحدياً كبيراً يتمثّل في ترشحه لولاية جديدة عن الحزب الديموقراطي الأمريكي. ارتبط هذا التحدي بالحالة الصحية والعقلية للرئيس بايدن، والتي باتت تثير العديد من علامات الاستفهام بعد مواقف حصلت له خلال مؤتمرات صحفية أو لقاءات رسمية جمعته بممثلي دول أخرى.

أضف لذلك قضية نجله هنتر بايدن الذي كان يحاكم بتهم جنائية تتعلق بالكذب بشأن استخدامه للمخدرات عند شراءه لسلاح ناري في انتهاك للقانون الفيدرالي، كما أنه كان يحاكم بتهم أخرى تتعلّق بالتهرب الضريبي.

عموماً، كانت الحالة الصحية للرئيس بايدن في تراجع كبير، وبدا لبعض الأطباء أن الرئيس مصاب بمرض باركنسون، وحاول الفريق الرئاسي التورية على الوضع الصحي لبايدن عبر مجموعة من التقنيات الفنية التي من شأنها المحافظة على صورة الرئيس إلاّ أنها جميعاً لم تكن بالمستوى المطلوب، كما في تجنّب المشي أمام الكاميرات او ارتداء أحذية رياضية أو استخدام السلالم القصيرة في الجزء الخلفي من الطائرة الرئاسية.

استطلاعات الرأي هي الأخرى كانت في غير صالح بايدن، إذ أظهر استطلاع للرأي أن 80% من الأمريكيين و73% من الناخبين المسجلين يعتقدون أن بايدن كان كبيراً جداً في السن ليكون فعالاً.

يكشف الكتاب أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن كان المبادر الأول لإقناع الرئيس بالعدول عن الترشّح لولاية ثانية بعد أن سأله بشكل مباشر عن قدرته على أداء عمله لأربع سنوات قادمة…

وفي النهاية قرر بايدن العدول عن قرار ترشحه لولاية جديدة معلناً ترك الساحة أمام كاميلا هاريس لتكون المرشحة بدلاً منه، لكن تأخّر القرار لما قبل أربعة أشهر من السباق الانتخابي يبدو أنه سيكون سبباً في عدم قدرة هاريس على ترتيب أمور حملتها الانتخابية بمواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب (وهذا ما حصل بالفعل).

كتاب الحرب لبوب وودوورد يعدّ اليوم وثيقة مهمة لإحدى ولايات الرئاسة الأمريكية الأكثر سخونة، شهد فيها العالم حربين ضمن دائرتين على مستوى عالي من الأهمية، إحداهما في أوروبا والأخرى في الشرق الأوسط، كما أنه أوضح الكثير من الخفايا المتعلقة بالرئاسة الأمريكية في عهد الرئيس بايدن، والذي يعدّ من الرؤساء القلائل الذين أثارت تصرفاتهم ووضعهم الصحي والعقلي الكثير من التساؤلات.

  • مقالات ذات صلة

    العاصمة صنعاء تشهد خروجا مليونيا في مسيرة “جهاد وثبات واستبسال.. لن نترك غزة

    شهدت العاصمة صنعاء اليوم، خروجا مليونيا في مسيرة “جهاد وثبات واستبسال.. لن نترك غزة” تأكيدا على استمرار وثبات موقف اليمن المساند لغزة ومواجهة العدوان والتصعيد الأمريكي. وأكدت الحشود المليونية استئناف…

    سمر نديم: أول خطوة نحو الحلم تبدأ بمسجد خدمي للجميع

    سمر نديم: أول خطوة نحو الحلم تبدأ بمسجد خدمي للجميع أول خطوة في تحقيق الحلم…الجميع لديه أحلام وأهداف يسعى لتحقيقها، لكن القليل فقط هم من يملكون العزيمة لتحويل تلك الأحلام…

    منوعات

    ندوة تعريفية ببرنامج “شيماه” في الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية: مسار تعاون من أجل تربية وقائية متكاملة!

    • أبريل 12, 2025
    • 2 views
    ندوة تعريفية ببرنامج “شيماه” في الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية: مسار تعاون من أجل تربية وقائية متكاملة!

    غاليري تعلن عن افتتاحها التجريبي في بيروت W CASA

    • أبريل 12, 2025
    • 1 views
    غاليري تعلن عن افتتاحها التجريبي في بيروت W CASA

    غاليري تعلن عن افتتاحها التجريبي في بيروت W CASA

    • أبريل 12, 2025
    • 2 views
    غاليري تعلن عن افتتاحها التجريبي في بيروت W CASA

    الإعلان عن إطلاق منتدى الجمال والصحة النفسية والجسدية 2025 في بيروت: حدث استثنائي يجمع الجمال الرفاهية في قلب لبنان من 24 الى 27 نيسان 2025

    • أبريل 11, 2025
    • 4 views
    الإعلان عن إطلاق منتدى الجمال والصحة النفسية والجسدية 2025 في بيروت:  حدث استثنائي يجمع الجمال الرفاهية في قلب لبنان من 24 الى 27 نيسان 2025

    الإعلان عن إطلاق منتدى الجمال والصحة النفسية والجسدية 2025 في بيروت: حدث استثنائي يجمع الجمال الرفاهية في قلب لبنان من 24 الى 27 نيسان 2025

    • أبريل 11, 2025
    • 6 views
    الإعلان عن إطلاق منتدى الجمال والصحة النفسية والجسدية 2025 في بيروت:  حدث استثنائي يجمع الجمال الرفاهية في قلب لبنان من 24 الى 27 نيسان 2025

    الإعلان عن إطلاق منتدى الجمال والصحة النفسية والجسدية 2025 في بيروت: حدث استثنائي يجمع الجمال الرفاهية في قلب لبنان من 24 الى 27 نيسان 2025

    • أبريل 11, 2025
    • 5 views
    الإعلان عن إطلاق منتدى الجمال والصحة النفسية والجسدية 2025 في بيروت:  حدث استثنائي يجمع الجمال الرفاهية في قلب لبنان من 24 الى 27 نيسان 2025