مرتزقة العدو جيفٌ لا يُذكرون ونكراتٌ لا يُقدرون بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

يتشدق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت وأعضاء حكومة الحرب، خلال جولاتهم المرتعشة على القواعد والتجمعات العسكرية حول قطاع غزة، بقوة جيشهم، وحزم قادته، وجرأة جنوده، والجاهزية العالية للقتال، والروح المعنوية المرتفعة للجنود، واستعدادهم للتضحية بأرواحهم في سبيل “الشعب والبيت”، ويتفاخرون بأن عشرات الآلاف من الجنود والضباط الاحتياط، قد هبوا للالتحاق بالخدمة العسكرية، والمشاركة في الحرب والقتال ضد المقاومة في قطاع غزة، وأن العديد منهم قطعوا إجازاتهم وعادوا من رحلاتهم الخارجية الخاصة وعطلاتهم العائلية، وأبدوا حماستهم للمشاركة في الحرب، والثأر والانتقام من الفلسطينيين ومقاومتهم، الذين أوجعوهم ومرغوا أنفهم بالتراب صبيحة يوم السابع من أكتوبر الماضي.

لكن نتنياهو وحكومة الإجرام والتطرف التي يقودها، يعلمون تماماً أن الذين اجتمعوا حولهم، ورفعوا معه أصواتهم، وهددوا وزمجروا وتوعدوا، قد انفضوا في أغلبهم من حوله، وتخلوا عنه وعن حكومته، ولم يعد معه وإلى جانبه من يضحي بحياته من أجل غاياتٍ وأهدافٍ باتوا يعلمون أنها غاياتٌ وأهدافٌ شخصية، تخدم نتنياهو وفريقه فقط، وتفرط في حياتهم ومصالح كيانهم، وتغامر بمستقبلهم وتقامر باستقرارهم، وقد تأكد لديهم أن حكومتهم غير معنية باستعادة الجنود الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، بل إنها تتعمد قتلهم والتخلص منهم، وأنه لا خطة عملية لديها لاستنقاذهم، ولا استعداد لديها للمفاوضة لاستعادتهم وتطمين عائلاتهم.

أمام هذا الخلل الحادث والاضطراب الناشئ في بنية الجيش وتركيبته، وفي عديده وجاهزيته، واستعداده وقابليته، بات لزاماً على قيادته أن يعوضوا النقص، وأن يرأبوا الصدع، وأن يوفروا البديل الذي يقوم بالدور ويؤدي الواجب، فاستقدموا على عجل مئات المقاتلين المرتزقة، من دولٍ وجنسياتٍ مختلفة، وتعاقدوا مع العديد من الشركات الأمنية، التي تمتهن القتل وتمارس القتال، واستجلبوهم إلى فلسطين من كل مكانٍ، وألبسوهم زي جيشهم، وحملوهم سلاحه، وعلقوا على أكتافهم شاراته، وأطلقوهم كما الكلاب في مدن ومخيمات وأحياء قطاع غزة، وأوصوهم بالشدة والقسوة، ووعدوهم بالهدايا والمكافئات.

إلا أن المرتزقة الذين أغواهم الإحتلال وضحك عليهم قادة جيشه، ظنوا أن المهمة في القطاع سهلة، وأن مدة القتال قصيرة، وأنها ليست إلا أياماً معدودة، يعودون بعدها إلى بلادهم وأسرهم، وجيبوهم ملأى بالأموال، وأيديهم مثقلة بالهدايا والألعاب، وأنهم سيحصدون بالأسلحة التي يحملون، والمهارات التي يتميزون بها، أرواح المقاتلين الفلسطينيين، وسيجهزون عليهم خلال أيامٍ قليلة، وسيحققون للكيان الصهيوني ما عجز جيشهم عن تحقيقه، لكنهم فوجئوا بأن المهمة صعبة، وأن القتال شديداً، ووجدوا أن الأرض عليهم غريبة وأن القتال فيها خطر، والثبات عليها مستحيل، فالقتل يلاحقهم والمقاتلون يباغتونهم، ولا يوجد من ينقذهم أو يحميهم.

ومن جهةٍ أخرى وجد المرتزقة أن غرفة عمليات جيش الاحتلال لا تعبأ بهم ولا تفكر فيهم، ولا تقلق لشأنهم، ولا تستنفر قواها للدفاع عنهم، وأن جل اهتمامها ينصب على الجنود الإسرائيليين فقط، فهم محل اهتمامها ومحط تضحيتها وقتالها، تتابع شؤونهم وتتفقد أحوالهم، وتحفظ أسماءهم وتعرف أماكنهم، وتكون قريبة منهم، تلبي طلباتهم وتستجيب إلى احتياجاتهم، وتحرص على أمنهم وراحتهم، تستبدلهم بقواتٍ أخرى، وتنقلهم وقت راحتهم إلى أمان آمنة، يقضون فيها حاجاتهم، ويتصلون بعائلاتهم، ويطمئنون على أوضاعهم.

وهم بلا شك يلاحظون أنهم ليسوا أكثر من أرقامٍ وأعدادٍ، لا مكان لهم ولا قدر، ولا قيمة لهم ولا شأن، فإن قتل أحدٌ منهم في القتال فلا يعبأ به أحد، ولا تعترف به قيادة الجيش، ولا تذكر اسمه، ولا تورده ضمن قوائم القتلى وأسماء الضحايا، بل إنها لا تبذل جهداً في نقل جثامينهم، أو علاج جرحاهم ولا تعجل في نقل مصابيهم، وهو ما يفسر بيانات الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذي يورد بالأدلة والصور عدد الآليات المستهدفة تدميراً وحرقاً وعطباً، وبالتالي أعداد القتلى المتوقعين، والجنود المجندلين في أرض المعركة، فالأدلة والشواهد تؤكد أن عدد القتلى الإسرائيليين كبير، ولكن العدد الذي تعترف قيادة الجيش أقل مما هو متوقع، ما يعني قطعاً أن جيش الاحتلال لا يعترف بالقتلى المرتزقة، ولا يعتبر مقتلهم خسارة.

ليت المرتزقة البلهاء والمأجورين السفهاء، يدركون جهالتهم، ويكتشفون غباءهم، ويستدركون أنفسهم ويحفظون حياتهم، ويعودون من غزة أدراجهم، فهذا العدو الموقن بالهزيمة، والمدرك للخسارة، والفاقد للأهلية والمفتقر للمناقبية، يقاتل بهم ويفرط في حياتهم، ولا تعنيه حياتهم، وهو يتعامل معهم كسلعةٍ يشتريها، يدفع ثمنها ويلقي بها عندما تنتهي حاجته فيها، وإلا فإنهم سيقتلون على أرض غزة، وسيتركون في الميدان كجيف الكلاب والحيوانات، ولن يجدوا من يدفنهم تحت التراب، ولا من يعوض عائلاتهم عن تضحياتهم، ولا من يدفع لهم بعد قتلهم، فهلَّا انتبهوا واستدركوا، وتراجعوا وكسبوا.

  • مقالات ذات صلة

    الحكومة تدعو كينيا إلى إعادة النظر في نهجها والعمل بما يتماشى مع ميثاقي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي

    أصدرت وزارة الخارجية بيانًا صحفيًا اليوم دعت فيه حكومة كينيا إلى إعادة النظر في نهجها والعمل بما يتماشى مع ميثاقي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي. حيث جاء بيان الخارجية ردًا على…

    معالي رئيس الحرس الملكي يتسلم شهادة الاعتماد الأكاديمي العسكري الكامل

    معالي رئيس الحرس الملكي يتسلم شهادة الاعتماد الأكاديمي العسكري الكامل حصل معهد الحرس الملكي على الاعتماد الأكاديمي العسكري الكامل من من هيئة تقويم التعليم والتدريب بالمملكة ( مركز درع )…

    منوعات

    تراجع كبير في المكانة الدولية لـ”إسرائيل” ورقة علميّة لمركز الزيتونة تدرس تأثير طوفان الأقصى وتفاعل “إسرائيل” معه على مكانتها الدولية

    • مايو 3, 2025
    • 7 views
    تراجع كبير في المكانة الدولية لـ”إسرائيل” ورقة علميّة لمركز الزيتونة تدرس تأثير طوفان الأقصى وتفاعل “إسرائيل” معه على مكانتها الدولية

    مش عقبال المية” 112 عاما بعد الألف

    • مايو 3, 2025
    • 11 views
    مش عقبال المية” 112 عاما بعد الألف

    لبنان يتألق في مؤتمر القمة العالمية لجوائز الابتكار الرقمي 2025: الابتكار اللبناني “بوديو” يفوز بجائزة الشمول والتمكين

    • مايو 2, 2025
    • 13 views
    لبنان يتألق في مؤتمر القمة العالمية لجوائز الابتكار الرقمي 2025: الابتكار اللبناني “بوديو” يفوز بجائزة الشمول والتمكين

    المراكز الطبية للجامعة اللبنانية الأمريكية تجدد التزامها مع جمعية SAID في مسيرة التوعية ضد سرطان القولون والأمعاء

    • مايو 2, 2025
    • 14 views
    المراكز الطبية للجامعة اللبنانية الأمريكية تجدد التزامها مع جمعية SAID في مسيرة التوعية ضد سرطان القولون والأمعاء

    المراكز الطبية للجامعة اللبنانية الأمريكية تجدد التزامها مع جمعية SAID في مسيرة التوعية ضد سرطان القولون والأمعاء

    • مايو 2, 2025
    • 15 views
    المراكز الطبية للجامعة اللبنانية الأمريكية تجدد التزامها مع جمعية SAID في مسيرة التوعية ضد سرطان القولون والأمعاء

    مقولات طلال ابو غزالة

    • مايو 1, 2025
    • 15 views
    مقولات طلال ابو غزالة